الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن دخول وادي آش في طاعة السلطان ثم رجوعها إلى طاعة ابن الأحمر: كان أبو الحسن بن أشقيلولة ظهير السلطان ابن الأحمر على ملكه ومعينه على شأنه وكان له في الدولة بذلك مكان ولما هلك خلف من الولد أبا محمد عبد الله وأبا اسحق إبراهيم فعقد ابن الأحمر لأبي محمد على مالقة ولأبي اسحق على قمارش ووادي آش ولما هلك السلطان ابن الأحمر حدثت مغاضبات ومنافسات بينهما وبينه وتأدى ذلك إلى الفتنة كما قلناه ودخل أبو محمد في طاعة السلطان أبي يوسف ثم هلك فلحق ابنه محمد بالسلطان ونزل له عن البلد سنة ست وسبعين وستمائة ثم هلك أبو اسحق سنة اثنتين وثمانين وستمائة وغلب ابن الأحمر على حصن قمارش وصار إليه وكان الرئيس أبو اسحق قد عقد لابنه أبي الحسن على وادي آش وحصونها واتصلت الفتنة بينه وبين ابن الأحمر وظاهر أبو الحسن عليه الطاغية وأجلب أخوه أبو محمد معه على غرناطة هو وابن الدليل وطال أمر الفتنة بينهما وبين ابن الأحمر ثم انعقد السلم بين المسلمين والنصارى وخشي أبو محمد بن أشقيلولة على نفسه عادية ابن الأحمر فتذمم بطاعة صاحب المغرب وأقام دعوته بوادي آش سنة ست وثمانين وستمائة فلم يعرض لها ابن الأحمر حتى إذا وقعت المواصلة بينه وبين ابن السلطان أبي يعقوب وكان شأن هذا الصهر على يده بعث رسله إلى السلطان يسأله التجافي عن وادي آش فتجافى له عنها وبعث إلى أبي الحسن بن أشقيلولة بذلك فتركها وارتحل إليه سنة سبع وثمانين وستمائة ولقيه بسلا فأعطاه القصر الكبير وأعماله طعمة سوغه إياها ثم نزل لبنيه آخر دولتهم واستمكن ابن الأحمر من وادي آش وحصونها ولم يبق له بالأندلس منازع من قرابته والله يؤتي ملكه من يشاء والله أعلم..الخبر عن خروج الأمير أبي عامر ونزوعه إلى مراكش ثم فيئته إلى الطاعة: لما احتل السلطان بفاس وأقام بها خرج عليه ابنه أبو عامر ولحق بمراكش ودعا لنفسه أخريات شوال من سنة سبع وثمانين وستمائة وساعده على الخلاف والانتزاء عاملها محمد بن عطو وخرج السلطان في أثره إلى مراكش فبرز إلى لقائه فكانت الدائرة عليهم وحاصرهم السلطان بمراكش أياما ثم خلص أبو عامر إلى بيت المال فاستصفى ما فيه وقتل المشرف ابن أبي البركات ولحق بجبال المصامدة ودخل السلطان من غده إلى البلد يوم عرفة فعفا وسكن ونهض منصور ابن أخيه لأمير أبو مالك من السوس إلى حاجة فدوخ انحاءها ثم سرح إليه المدد من مراكش فأوقعوا بوكنة من برابرة السوس وقتل منهم ما يناهز أربعين من سرواتهم وكان فيمن قتل منهم شيخهم حيون بن إبراهيم ثم إن ابنه أبا عامر ضاق ذرعه بسخط أبيه وإجلابه في الخلاف فلحق بتلمسان ومعه وزيره ابن عطو فاتح سنة ثمان وثمانين وستمائة فآواهم عثمان بن يغمراسن ومهد لهم المكان ولبثوا عنده أياما ثم عطف السلطان على ابنه رحم لما عطفت ابنته عليه فرضي عنه وأعاده إلى مكانه وطالب عثمان بن يغمراسن أن يسلم إليه ابن عطو الناجم في النفاق مع ابنه فأبى من إضاعة جواره وإخفار ذمته وأغلظ له الرسول في القول فسطا به واعتقله فثارت من السلطان الحفائظ الكامنة وتحركت الأحن القديمة والنزلات المتوارثة واعتزم على غزو تلمسان والله أعلم..الخبر عن تجدد الفتنة مع عثمان بن يغمراسن وغزو السلطان مدينة تلمسان ومنازلته إياها: كانت الفتنة بين هذين الحيين قديمة من لدن مجالاتهم بالقفر من حمراء ملوية إلى صا إلى فيكيك ولما انتقلوا إلى التلول وتغلبوا على الضواحي بالمغرب الأقصى والأوسط لم تزل فتنتهم متصلة وأيام حروبهم فيها مذكورة وكانت دولة الموحدين عند اختلالها والتياثها تستنصر منهم بالتضريب بينهم والفتنة فتأكدت لذلك أحوالها واتصلت أيامها وكان بين يغمراسن بن زيان وأبي يحيى بن عبد الحق فيها وقائع ومشاهد نقلنا منها بعضا من كل واستظهر الموحدون بيغمراسن عليه في بعضها وكان الغلب أكثر ما يكون لأبي يحيى بن عبد الحق لوفور قبيلة إلا أن يغمراسن كان يتصدى لمقاومته في سائر وقائعه ولما طمس أثر بني عبد المؤمن واستولى يعقوب ابن عبد الحق على ملكهم وصارت في جملته عساكرهم وتضاعف عليه وأسف على ملك يغمراسن ملكه وجمع له فأوقع به في تلاغ الواقعة المعروفة ثم أوقع به ثانية وثالثة ولما استوت قدم يعقوب بن عبد الحق في ملكه واستكمل فتح المغرب وسائر أمصاره وكبح يغمراسن عن التطاول إلى مقاومته وأوهن قواه بفل جموعه ومنازلته في داره ومظاهرة أقتاله من زناتة بني توجين ومغراوة عليه فانصرف بعد ذلك إلى الجهاد فكان له فيه شغل عما سواه كما نقلناه في أخباره.ولما انصرف ارتاب ابن الأحمر بمكان السلطان يعقوب بن عبد الحق من الأندلس وحذره على ملكه وتظاهر مع الطاغية على منعه من الإجازة إلى عدوتهم لهم خشوا أن لا يستقلوا بمدافعته فراسلوا يغمراسن في الأخذ بحجزته وأجابهم إليها وجرد عزائمه لها واتصلت أيديهم في التظاهر عليه ثم فسد ما بين ابن الأحمر والطاغية ولم يكن له بد من ولاية يعقوب بن عبد الحق فتولى بواسطة ابنه يوسف بن يعقوب كما ذكرناه وأطلعوه على خباء يغمراسن في مظاهرتهم فأغزاه سنة تسع وسبعين وستمائة وهزمه بخرزونة ونازله بتلمسان ووطأ عدوه من بني توجين بساحته كما ذكرناه ثم انصرف إلى شأنه من الجهاد وهلك يغمراسن بن زيان على تفيئة ذلك سنة إحدى وثمانين وستمائة وأوصى ابنه عثمان ولي عهده زعموا أن لا يحدث نفسه بمقاومة بني مرين ومساماتهم في الغلب وأن لا يبرز إلى لقائهم بالصحراء وأن يلوذ منهم بالجدران متى سموا إليه وألقي إليه زعموا أن بني مرين بن تغلبهم على مراكش وانضياف سلطان الموحدين إلى سلطانهم ازدادت قوتهم وتضاعف غلبهم وقال له زعموا فيما أوصاه ولا يغرنك أني رجعت إليهم بعدها وبرزت إلى لقائهم فإني أنفت أن أرجع عن مقاومتهم بعد اعتيادها وأترك مبارزتهم وقد عرفها الناس وأنت لا يضرك العجز عن مبارزتهم والنكول عن لقائهم فليس لك في ذلك مقام معلوم ولا عادة سالفة واجهد جهدك فى التغلب على إفريقية وراءك فإن فعلت كانت المناهضة وهذه الوصاة زعموا هي التي حملت عثمان وبنيه من بعده على طلب ملك إفريقية ومنازلة بجاية وحربهم مع الموحدين ولما هلك يغمراسن ذهب ابنه إلى مسالمة بني مرين فبعث أخاه محمدا إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق وأجاز البحر إليه بالأندلس ووافاه بأركش في إجازته الرابعة سنة أربع وثمانين وستمائة فعقد له ما جاء إليه من السلم والمهادنة ورجعه إلى أخيه وقومه ممتلئا كرامة وسرورا وهلك يعقوب بن عبد الحق أثر ذلك سنة خمس وثمانين وستمائة وقام بالأمر ابنه يوسف بن يعقوب وانتزى الخوارج عليه بكل جهة فشمر لهم واستنزلهم وحسم أدواءهم ثم خرج عليه ابنه آخرا كما ذكرناه بمالأة وزير السلطان محمد بن عطو ثم فاء إلى طاعة أبيه ورضي عنه وأعاده إلى مكانه من حضرته وطالب عثمان بن يغمراسن كما ذكرناه في ابن عطو المنتزي عليه مع ابنه فأبى عثمان من تسليمه وتحركت حفيظة السلطان واعتزم على غزوهم فارتحل من مراكش لصفر من سنة سبع وثمانين وعقد عليها لابنه الأمير أبي عبد الرحمن ثم نهض لغزاته من فاس آخر ربيع من سنته في عساكره وجنوده وحشد القبائل وكافة أهل المغرب وسار حتى نزل تلسمان فانحجز عثمان وقومه بها ولاذوا منه بجدرانها فسار في نواحيها ينسف الآثار ويخرب العمران ويحطم الزرع ثم نزل بذراع الصابون بساحتها ثم انتقل منه إلى تامة وحاصرها أربعين يوما وقطع أشجارها وأباد خضراءها ولما امتنعت عليه أفرج عنها وانكفأ راجعا إلى المغرب وقضى نسك الفطر بعين الصفا من بلاد بني يرناتن ونسك الأضحى وقربانه بتازى وتلبث بها ومنها كان فصوله للغزو عند انتقاض الطاغية كما نذكره إن شاء الله تعالى.
|